ما تشهده جهة سوس ماسة من دينامية ثقافية متجددة، لا يعد فقط مؤشرا على حيوية المجال الثقافي والفني بالمنطقة، بل تجل واع ومتنام لإدراك عميق بأهمية الموروث الثقافي في صياغة الشخصية الوطنية الجامعة، وتحصين الذاكرة الجماعية من التآكل أو التبخيس أو النسيان. ومن قلب هذا الزخم الثقافي المتعدد، يبرز مهرجان الصحراء الدولي في نسخته التاسعة كواحة رمزية تحتفي بالمشترك المغربي، حيث يشكل تنظيمه بمدينة أكادير، عاصمة سوس الثقافية وقلب المملكة النابض، لحظة فريدة تؤكد عمق التلاحم بين سوس والصحراء، وتجسد مسارا وطنيا يروم إعادة الإعتبار لروافد حضارية أصيلة، ظلت لعقود على هامش السياسات الثقافية العمومية.
إنه ليس مجرد مهرجان عابر أو احتفالية فنية فلكلورية، بل هو ملحمة ثقافية تنبض بقيم الإنتماء والوحدة، وتعانق آفاق التثمين والاعتراف، كما تؤكد أن الثقافة الحسانية ليست موروثا هامشيا أو فضاء معزولا، بل رافد حي للهوية المغربية، بما تختزله من فروسية و أهازيج وخيمة للشعر الحساني و معرض للمنتوجات المحلية، هي في جوهرها تعبير عن الكرامة والوجود والحق في الذاكرة. لقد أدركت جمعية شباب الصحراء، منذ انطلاقة أول نسخ المهرجان ، أن النهوض بالثقافة الحسانية لا يكتمل دون ربطها بالفعل المدني ، وجعلها مجالا للإشتباك مع قضايا التنمية والكرامة والمواطنة، فكان الفعل الثقافي أداة لبناء الوعي، ومساحة للقاء الذاكرة والوجدان المشترك.
واختيار شعار “التلاقح الأمازيغي الحساني في مغرب الثقافات” ليس عبثا في دلالاته، بل هو ترجمة حية لواقع مغربي لم يعرف قط إنقسام الهويات، بل عرف تراكبها وتداخلها وتكاملها في نسيج وحدوي متماسك. فالثقافتان الأمازيغية والحسانية، في إمتدادهما الجغرافي والأنثروبولوجي، تكتبان فصلا بديعا من حكاية المغرب، حيث لا يتقابل الجنوب مع الشمال، ولا تنعزل الهضبة عن السهوب، بل يلتقي الجميع في فسيفساء تنبض بالحياة، وتتجاوز ثنائية المركز والهامش.
وفي زمن تتعالى فيه خطابات الانقسام وتطفو على السطح نزعات التشظي الهوياتي في أكثر من مكان في العالم، يقدم المغرب عبر هذا المهرجان رسالة حضارية راقية، مضمونها أن الوحدة لا تعني التنميط، كما أن التنوع لا يفضي إلى التفرقة، بل إن ما يجمع المغاربة من مشترك تاريخي وثقافي ولغوي وروحي، أعمق وأثبت من أن تزعزعه خطابات العدم أو مشاريع التفتيت.
وهكذا، يتحول مهرجان الصحراء الدولي إلى منبر للفن الراقي، وفضاء للذاكرة المشتركة، ومحفل للهوية المتصالحة مع ماضيها، والمندمجة في حاضرها، والطامحة إلى بناء مستقبل ثقافي يزاوج بين الأصالة والحداثة. إنه مهرجان يرسم بالأنغام والحكايات والألوان، ملامح مغرب لا يزال يراهن على الثقافة كأفق للتنمية، وعلى الإنسان كحامل لمعاني الارتقاء، وعلى الهوية كقوة توحيد لا أداة تفرقة.
ختاما ، من رحم سوس ماسة،أكادير وسط المملكة، ينهض الموروث الحساني بجمالية تعانق جبال الأطلس وسهوب الصحراء، لتعلن أن المغرب على إختلاف روافده، وطن واحد بهوية واحدة، يتسع للجميع، ويحتفي بالجميع.
سعيد أفكريش ، عن اللجنة التنظيمية للمهرجان الدولي للصحراء .