تشهد الموارد الطبيعية الحيوية أو الاستراتيجية مثل المياه والمقالع تدهورا متزايدا نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك الاستغلال المفرط والاستغلال غير المشروع. ومن أجل التخفيف من الآثار السلبية المترتبة عن هذا الوضع، وُضعت مساطر لمنح التراخيص ومراقبة الاستغلال بهدف تقنين الولوج إلى هذه الموارد. إلا أنه وبالرغم من وجود هذا الإطار، تَبيَّن أن هذه الموارد الطبيعية لا تزال تخضع لضغوط متزايدة بشكل يهدد تحقيق التنمية المستدامة وأمان المغاربة. بحيث تواجه مجموعة من الاكراهات التي تعيق تنفيذها بطريقة سليمة.
وقد لاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأيه الذي نتدارسه اليوم، مجموعة من الاختلالات؛ كثير منها جاءت في تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة المشار إليه. وسأؤكد على أهمها:
– تعقيد وبطء إجراءات منح التراخيص أو الامتيازات لا يشجع الأشخاص الذين يجلبون المياه بشكل غير قانوني على الامتثال للمقتضيات القانونية المعمول بها،
– تعدد المتدخلين المكلفين بمنح التراخيص، إلى جانب الصعوبات على مستوى التنسيق، يفرز نظاما مجزأ يؤثر سلبا على الاستغلال الناجع للموارد المائية المتاحة في المناطق المعنية بالتدخل،
– للمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية لا تتمتع بالطابع الملزم، بالرغم من مصادقة أغلبية مجالس وكالات الأحواض المائية عليها، لكونها تفتقر الى نص تنظيمي (مرسوم) يوجب ويفرض اعتمادها،
– عقود التدبير التشاركي للفرشاة المائية عددها جد محدود، رغم كونها أداةً مهمة لترشيد استغلال الملك العمومي المائي
– شرطة المياه تأثيرها وتدخلات في مجال المراقبة محدود، بسبب نقص الموارد البشرية ونقص في التكوين،
– هناك نقص في الاستعانة بالوسائل الحديثة الكفيلة برصد وكشف الممارسات المرتبطة باستغلال المياه،
– الاكراهات المرتبطة بالحكامة والتنسيق بين الفاعلين على المستوى الترابي تسبب في بطء إعداد المخططات الجهوية لتدبير المقالع، الشيء الذي يعرقل التنفيذ الفعلي لمقتضيات القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع،
– النقص الواضح في الإمكانيات البشرية والمادية المخصصة للرصد والمراقبة الدورية للمقالع،
– هيمنة القطاع غير المنظم الذي يتجلى سواء من خلال المقالع غير المصرح بها أو المقالع المرخص لها التي تُقدم على ممارسات من قبيل الغش وعدم التصريح الكامل بالمداخيل، مما يؤدي إلى خلق منافسة غير مشروعة، وتفوت مداخيل ضريبية إضافية، إلى جانب مخاطر الاستغلال المفرط لبعض أنواع المقالع،
– تفاقم البطء الملحوظ في مسطرة فتح المقالع المؤقتة المخصصة للأشغال العمومية بفعل تعدد المتدخلين هذا الوضع من شأنه أن يؤثر سلبا على المستثمرين وعلى فعالية المقاولات في قطاع البناء والأشغال العمومية،
ولأهمية التراخيص ومراقبة الاستغلال، ومن أجل ضمان استدامة مواردها الطبيعية فقد أوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتعزيز الإطار الحالي مع ضمان الامتثال الكامل للإطار القانوني الذي ينظم آليات منح التراخيص ومراقبة الاستغلال، ومن التوصيات التي قدمها:
– تعزيز فعلية النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها، (الخطاب هنا موجه إلينا نجن المشرعون) مع الحرص على التنفيذ الفعال لآليات منح التراخيص والمراقبة وتبسيط المساطر واحترام الآجال القانونية لمنح التراخيص، فضلا عن تسوية وضعية مستغلي الموارد بكيفية غير قانونية،
– إضفاء الطابع الملزم على المخططات الجهوية لتدبير المقالع مع تسريع عملية إعداد هذه المخططات، واعتماد النصوص التطبيقية الضرورية لتنفيذ القانون رقم 17-49، خصوصا التقييم البيئي الاستراتيجي للمخططات والبرامج والمشاريع الوطنية والجهوية لاستغلال المياه والمقالع،
– تحسين الحكامة وتعزيز وسائل وقدرات المتدخلين في مجال المراقبة،
– وضع آلية للتنسيق ما بين المؤسسات تمكن من اتخاذ قرارات تحكيمية بشأن استخدام الموارد المائية المتاحة في حالات الأزمات،
– تعزيز كفاءات وقدرات جميع المتدخلين في المساطر القضائية ذات الصلة مع دراسة إمكانية إحداث غُرف خاصة يناط بها النظر في مختلف قضايا البيئة على مستوى المحاكم المختصة بما فيها قضايا الماء والمقالع،
– تحسين أداء عملية تحصيل الإتاوات المتعلقة باستغلال المياه وتعزيز النجاعة الاقتصادية والضريبية المرتبطة باستغلال المقالع،
– إحداث نظام معلوماتي وطني مندمج ومحين باستمرار مُخصَّص لقطاعات المياه والمقالع.
وخلال المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول مقالع الرمال والرخام، لاحظنا ووقفنا على مسائل كثيرة تعيق سير القطاع وتحد من فعالية، ومنها:
– تنوع الطبيعة القانونية للعقارات المستغلة في المقالع بين الملك العمومي والملك الغابوي وأملاك الجماعات السلالية والملك العسكري وأملاك الخواص وأملاك الأوقاف،
– ارتباط موضوع المقالع باقتصاد الريع، وهو ما يتطلب تعزيز المنظومة الشاملة للحكامة من شفافية ومنافسة حرة ونزيهة، والوضوح والسلاسة في كل الإجراءات المرتبطة بالقطاع، مع التأكيد على أن قطاع المقالع يجمع بين مقاولات تشكل نموذجا خطيرا للريع ومقاولات أخرى تحتاج إلى تدخل الدولة من أجل إنقاذها من الإفلاس،
– الاختلالات التي تطرق إليها المشرع في ديباجة القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع والتي تهم طرق الاستغلال وتنامي ظاهرة المقالع العشوائية ونهب رمال الكثبان الساحلية والرمال الشاطئية، وعدم نجاعة المراقبة، والانعكاسات السلبية للمقالع على الساكنة المجاورة والبيئة الطبيعية والبنيات التحتية والعائدات المالية للدولة لا تزال قائمة إلى اليوم، في ظل غياب مقاربة شمولية ومندمجة ترتكز على الالتقائية والتنسيق والاندماج بين مختلف المتدخلين، بهدف تطوير أساليب تدبير هذا القطاع وعقلنة استغلاله ومراقبته
– استمرار غياب إرساء سياسة عمومية تخص تدبير قطاع المقالع لترشيد الموارد الطبيعية والمحافظة عليها وضمان استدامتها، واستمرار ضعف الموارد البشرية واللوجستيكية الموضوعة رهن إشارة الفرق الإقليمية للمقالع،
– عدم التفاعل ايجابا من طرف كل المتدخلين بهدف إرساء وتطبيق المبادئ الجديدة في مجال الحكامة والتدبير التي جاء بها القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع سيما ما يرتبط بالتوزيع المنصف والعادل لخيرات البلاد، والانتقال إلى نظام اقتصادي عقلاني وشفاف، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والقضاء على الممارسات العشوائية وإضفاء الطابع الاحترافي على القطاع، وتدبيره تدبيرا شفافا، والتشجيع على التنافسية وتأمين عملية تزويد السوق بمواد المقالع وضمان جودتها، وتكثيف المراقبة وتبسيط المساطر
– أحال القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع على 22 نص تنظيمي، حيث صدر بشأنه مرسومين، الأول صدر في (2017) بتطبيق بعض مقتضيات القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع، والثاني صدر في (2019) بتحديد شروط وكيفيات انتداب أعوان شرطة المقالع وبمعاينة المخالفات، والمرسوم المذكور أولا أحال على 20 نص تنظيمي، صدرت بشأنه 11 قرارا وزاريا، في حين لم يصدر لحد يومه النص التنظيمي المشار إليه في الفقرة الأخيرة من المادة 9 من القانون، والمتعلق بمرسوم بتحديد أنواع المقالع التي يجب تثمين المواد المستخرجة منها،
– النص التنظيمي المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 11 من ذات القانون، والمتعلق بتحديد كيفيات تنظيم البحث العمومي وإجرائه، يعتمد فيه مرسوم سابق، يتعلق الأمر بمرسوم رقم 2.04.564 صادر في (2008) بتحديد كيفيات تنظيم وإجراء البحث العمومي المتعلق بالمشاريع الخاضعة الدراسات التأثير على البيئة،
– سجلنا ارتفاع عدد المقالع المنظمة منذ دخول القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع حيز التنفيذ إلى اليوم، حيث وصل حسب وزارة التجهيز والماء إلى 2920 مقلعا، لكن الملاحظ أن عدد المقالع التي خضعت للمراقبة هو 1049، مما يعني أن 1871 مقلعا بقي خارج المراقبة لمدة تتجاوز سنة،
– عدم تجاوب الحكومة مع توصية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بإنجاز المخططات الجهوية لتدبير المقالع قبل دخول القانون حيز التنفيذ، أو على الأقل قبل نهاية الفترة الانتقالية الممنوحة للفاعلين، بل الأكثر من ذلك، أن هذه المخططات لم تخرج بعد إلى حيز الوجود، رغم بدأ العمل بالقانون دجنبر 2017
– وجود مجموعة من الإشكالات، منها ما يتعلق أساسا بالتجهيزات المستعملة لتشوير المقالع والمسالك، وبالصحة والسلامة والوقاية، والمقالع المهجورة التي يصل عددها حسب القطاع إلى 460 مقلع مهجور وإشكالات القطاع غير المهيكل والاستغلال العشوائي، ومجموعة من الصعوبات بخصوص تحديد الكميات المستخرجة وكذا تتبع وضبط المخالفات،
– متوسط رقم المعاملات المالية، حسب القطاع الحكومي المكلف بالتجهيز، بالنسبة لكل مقلع هو 500 مليون درهم، وأن العائدات المالية للدولة من المفترض أن تصل إلى 900 مليون درهم، في وقت لا تتجاوز فيه ما بين 40 و50 مليون درهم في السنوات الأخيرة،
– عدم وضع المخططات الجهوية لتدبير المقالع على صعيد كل جهة من جهات المملكة، رغم دخول القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع، حيز التنفيذ ابتداء من دجنبر 2017، والذي أوجب وضعها بمبادرة من الإدارة المعنية أو باقتراح من الجماعات الترابية باعتبارها وثيقة استشرافية، تتضمن رؤية استراتيجية شمولية لعقلنة تدبير القطاع لمدة 20 سنة بكل جهة على حدة، والتي ستساهم لا محال، في تحقيق الالتقائية في إطار الجهوية المتقدمة مع كل المتدخلين في العمل من أجل تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة بتراب الجهة
– سجلنا عدم قيام العديد من المستغلين بالملاءمة مع مقتضيات القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع رغم فوات الفترة الانتقالية، وهو ما يؤكد صحة إشارة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمناسبة وضع رأيه حول مشروع القانون رقم 27.13 المتعلق باستغلال المقالع المتعلقة باحتمال عجز المستغلين عن التلاؤم مع المقتضيات المنصوص عليها، خلال الفترة الانتقالية في غياب تدابير للمواكبة،
– كما سجلنا عدم التعاطي الايجابي من طرف الإدارة مع شكايات المواطنين المرتبطة بالتلوث والأمراض المزمنة والتنفسية، وكذا الشكايات المتعلق بالنفايات وتلوث الهواء والضجيج وإتلاف الغطاء النباتي،
– ينجز البحث العمومي في دراسة التأثير على البيئة وفق مقتضيات مرسوم رقم 2.04.564 صادر في (2008) بتحديد كيفيات تنظيم وإجراء البحث العمومي المتعلق بالمشاريع الخاضعة لدراسات التأثير على البيئة لكن في الواقع، الكل يصرح بعدم تعليقه للعموم، ويطالب بإضافة نشره في مواقع أو جرائد إلكترونية محلية،
– دراسة التأثير على البيئة لا تنجز دائما من طرف مكاتب دراسات معتمدة، وأحيانا يتم اللجوء إلى صيغة النَّسْخ، دون القيام بدراسة علمية ميدانية دقيقة؛ في وقت أكد فيه المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 11 من القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع على أن تنجز هذه الدراسة من طرف مكاتب دراسات معتمدة،
– النشرة الإحصائية السنوية التي تضعها المندوبية السامية للتخطيط لا تتضمن الإحصائيات المتعلقة بمقالع الرمال والرخام، رغم أنها تتضمن مجموع الإحصاءات المتعلقة بجميع القطاعات الإدارية،
– تعمل اللجان العمالاتية والإقليمية للمقالع، وفق مقتضيات المادة 44 من القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع، على جرد المقالع المستغلة والمقالع المهجورة على صعيد العمالة أو الإقليم وإعداد تصور شمولي ومندمج حول تأهيلها وإعادة تهيئتها، لكن في الواقع لا وجود لأي تصور ولو أولي يخص تأهيل وإعادة تهيئة المقالع المهجورة ولو في عمالة أو إقليم واحد،
– استمرار إشكالية المقالع المهجورة وتأثيرها على المحيط المجالي والبيئي وعدم إجراء تقييم أو جرد لها مرفق بتصور حول إعادة تأهيلها وتهيئتها،
– عدم القيام بإعادة التهيئة وتأهيل المواقع، حيث لم تُعرض على المهمة أية تجربة أو نموذج في هذا السياق
– السماح للمستغل بتمديد مدة الاستغلال دون تنفيذه لالتزاماته فيما يخص إعادة تهيئة أجزاء المقلع التي تم استغلالها،
ولي عودة للوقوف على موضوع المقالع،بصفتي عضو في المهمة الاستطلاعية مباشرة بعد تقديم تقرير المهمة الاستطلاعية حول مقالع الرمال والرخام بالمغرب في الجلسة العامة للبرلمان قريبا ان شاء الله .