بقلم: د إسماعيل الخاوة دكتور في القانون.
انطلاقًا من العلاقة الوثيقة بين العمل الجمعوي والشباب، يمكن القول إن الشباب يُشكّلون العمود الفقري للعمل الجمعوي في المغرب. فحماسهم وانتماؤهم لمجتمعهم شكّلا دائمًا دافعًا قويًا لدعم العمل الجمعوي الجاد والارتقاء بمستواه، كما كان الحال منذ الاستقلال مع بروز منظمات شبابية جمعوية وكشفية هدفها بناء مغرب ديمقراطي ومندمج. وقد تجلى هذا الدور منذ الوهلة الأولى في تشييد طريق الوحدة خلال صيف 1957، حيث ساهمت جمعيات شبابية بشكل فعّال في هذه المبادرة، التي اعتُبرت انطلاقةً لورشات كبرى في مغرب ما بعد الاستقلال.
إشكالية المشاركة الجمعوية للشباب
رغم تزايد عدد الشباب في المغرب، إلا أن مشاركتهم الجمعوية تظل دون المستوى المطلوب لمواكبة التحديات والرهانات المجتمعية. فقد بلغ عدد السكان في المغرب، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، 36.8 مليون نسمة، ويُمثل الشباب بين 15 و34 سنة نسبة 34% من هذا العدد، أي ما يقارب 12.5 مليون شاب وشابة. ومع ذلك، فإن نسبة الشباب المنخرطين في العمل الجمعوي تبقى ضعيفة مقارنة بالإمكانات المتاحة والتحديات المطروحة.
إذا قمنا بتشخيص مشاركة الشباب في العمل الجمعوي، من خلال مدى انخراطهم في اتخاذ القرار وتسيير الجمعيات، نجد أن دورهم غالبًا ما يقتصر على المهام التطوعية، بينما يظل تأثيرهم في القرارات الاستراتيجية محدودًا. وتكشف الإحصائيات أن معدل سن رؤساء الجمعيات في المغرب هو 43.75 سنة، فيما لا تتجاوز نسبة الشباب في المكاتب المسيرة للجمعيات 2.9% فقط، ما يعكس ضعف تمثيليتهم في مراكز القرار داخل العمل الجمعوي.
أسباب عزوف الشباب عن العمل الجمعوي
يمكن تصنيف أسباب هذا العزوف إلى صنفين رئيسيين:
أسباب ذاتية مرتبطة بالشباب أنفسهم:
ضعف التكوين في مجال التدبير الجمعوي.
قلة التجربة والخبرة في العمل المدني.
المستوى الدراسي المنخفض أو عدم ارتباطه بالمجال الجمعوي.
الظروف الاقتصادية الصعبة التي تجعل الشباب يركز على البحث عن فرص العمل بدل التطوع.
فقدان الثقة في العمل الجمعوي، بسبب التجارب السلبية مع بعض الجمعيات التي تفتقد للشفافية والديمقراطية الداخلية.
. أسباب مجتمعية مرتبطة بالبيئة الخارجية:
تحول بعض الجمعيات إلى أدوات انتهازية تخدم مصالح شخصية أو حزبية بدل خدمة المجتمع.
غياب استراتيجية واضحة للمؤسسات الحكومية المعنية لدعم وتشجيع الشباب على الانخراط في العمل الجمعوي.
انتشار ثقافة الاستهلاك والبحث عن الربح السريع، مما يجعل التطوع غير جذاب للشباب.
تأثير العولمة وانتشار التكنولوجيا الحديثة، حيث أصبح الشباب أكثر انجذابًا للمجالات الرقمية والمشاريع الذاتية.
كل هذه العوامل ساهمت في تراجع الإقبال على العمل الجمعوي، مما أدى إلى غياب التأطير الحقيقي للشباب، وهو ما انعكس سلبًا على المجتمع. فمثلاً، يمكن ربط بعض الظواهر السلبية، كالتطرف والعنف، بضعف دور الجمعيات في تأطير الشباب واحتوائهم داخل فضاءات مدنية سلمية.
الحلول الممكنة لتعزيز مشاركة الشباب في العمل الجمعوي
لتجاوز هذه الإشكاليات، لا بد من إعادة النظر في استراتيجية العمل الجمعوي بالمغرب، من خلال:
إدماج الشباب في مراكز القرار داخل الجمعيات، وتعزيز حضورهم في الأجهزة المسيرة.
إطلاق برامج تكوينية في التدبير الجمعوي لفائدة الشباب، بهدف رفع كفاءاتهم وتمكينهم من المهارات اللازمة.
تحفيز الشباب على الانخراط عبر تقديم امتيازات ملموسة، مثل التكوينات المجانية، الدعم المالي للمشاريع الجمعوية، وإمكانيات التشغيل الذاتي داخل المنظمات غير الربحية.
تعزيز دور الإعلام والتكنولوجيا في الترويج للعمل الجمعوي، من خلال منصات إلكترونية تُبرز أهمية العمل التطوعي وتأثيره الإيجابي على المجتمع.
إرساء شراكة حقيقية بين الجمعيات والدولة، تُمكن الجمعيات الفاعلة من الحصول على دعم مادي ولوجستيكي، مع فرض معايير الشفافية والحوكمة الجيدة لضمان نجاعة العمل الجمعوي.
و صفوة القول يظل الشباب العنصر الأساسي في دينامية المجتمع المدني، غير أن تفعيل دورهم يقتضي تغييرًا جوهريًا في طريقة تدبير العمل الجمعوي. فإذا أردنا بناء مغرب حديث ومتضامن، يجب أن نُوفر للشباب بيئة تُمكّنهم من التأثير الفعلي في القرارات، وتمكينهم من فرص الإبداع والابتكار داخل الفضاء الجمعوي. فبدون إشراك حقيقي للشباب، ستظل الجمعيات مجرد هياكل فارغة غير قادرة على التفاعل مع قضايا المجتمع.
ويبقى السؤال المطروح: هل يمكن تحقيق نهضة جمعوية شبابية حقيقية في ظل غياب رؤية واضحة للمؤسسات الحكومية المعنية والمجتمع المدني حول دور الشباب في التنمية المستدامة ؟