في ظل تصاعد التوترات الإقليمية ، وتزايد منسوب عداء النظام العسكري الجزائري غير المسبوق للمغرب . تسارع الجزائر خطواتها نحو عسكرة الحدود، بينما يراهن المغرب على التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة وتعزيز التصنيع المحلي لضمان الأمن القومي.
تسارع و تسابق دخل مرحلة جديدة من التصعيد الميداني، تترجمه تحركات عسكرية متسارعة ومشاريع إستراتيجية كشفت عن تحول مقلق في معادلة الأمن والدفاع داخل المنطقة المغاربية ، خاصة بعد شروع الجزائر مؤخرا في تشييد مدارج مؤقتة لطائراتها العسكرية على مقربة من الحدود المغربية، مدرجات قادرة على إستقبال طائرات النقل التكتيكية من طراز C-130، في خطوة لوجستية تدرج ضمن سيناريوهات الحرب وتداعيات التوتر الميداني، حيث تهيئ هذه المنشآت لتأمين الإمدادات السريعة، ونقل الجنود، وإجلاء المصابين عند الحاجة.
معلومات إستخباراتية سبق أن نبهت إلى أن هذه المدارجات لا تمثل إلا المرحلة الأولى من مخطط جزائري أوسع يروم تشييد قاعدة عسكرية جديدة تضاف إلى القاعدة السابقة و النشطة بتندوف والتي تعتبر الخلفية العملياتية لأجهزة الاستخبارات الجزائرية الداعمة للإرهاب والانفصال وقوات مرتزقة فاكنر ووحدات من حزب الله الشيعي الإيراني التي قامت بتدريب مليشيات تنظيم بوليساريو الارهابية ، هذه القاعدة التي لا تفصلها عن الحدود المغربية سوى 75 كيلومترا.
مشروع المدرجات القريب من الحدود المغربية الشرقية ليس وليد الساعة، بل يعود في جذوره إلى ربيع سنة 2020، حينما أعلن المغرب عن بناء ثكنة عسكرية بمنطقة جرادة، على بعد 38 كلم من الحدود الشرقية، وهو ما إعتبرته الجزائر حينها تهديدا مباشرا، لتبادر بردها ببناء قاعدة مقابلة للجيشها.
وعلى إثر تصاعد التحركات الميدانية، عادت الجزائر إلى تفعيل مخططها لسنة 2022 عبر الإشراف على مشروع قاعدة عسكرية جديدة ببشار، تحت وصاية القيادة العسكرية للمنطقة الثالثة، في ترجمة عملية لتوجه جزائري واضح يرمي إلى تشديد الخناق العسكري على المملكة المغربية. وفي المقابل، لم تبق القوات المسلحة الملكية المغربية في موقف المتفرج، بل بادرت إلى تعزيز مواقعها الدفاعية من خلال تأسيس المنطقة العسكرية الشرقية سنة 2021، في إطار إعادة هيكلة شاملة للمؤسسة العسكرية تهدف إلى رفع الجاهزية، وتقوية الردع، وإحكام الإنتشار الإستراتيجي على طول الحدود الشرقية.
وعلى مستوى التجهيز والعتاد، واصل المغرب تحديث ترسانته العسكرية باستراتيجية دقيقة، شملت اقتناء دبابات متقدمة من طراز M1A1SA Abrams ودبابات M60 Patton وT-72EA، بالإضافة إلى عربات مدرعة ومركبات دعم قتالي، وشاحنات عسكرية متطورة تم تسلم دفعات منها من شركات هندية متخصصة، كـ”تاتا”، في إطار شراكات دولية استراتيجية. وتُوج هذا المسار بانخراط المملكة في تصنيع مدرعات “WhAP 8×8” بشراكة مع الهند، وإنشاء مصنع للطائرات المسيرة بتقنية متقدمة، ناهيك عن تعزيز قدرات الاستطلاع الفضائي باقتناء القمر الصناعي “أوفيك 13″، المخصص للمهام الاستخباراتية والتصوير عالي الدقة ،أضف إلى ذلك صفقة الأباتشي التي رفعت من قدرات سلاح القوات الجوية .
إن قراءة هذه التطورات في ضوء المشهد الجيوسياسي الذي يشهد إصطفافات جديدة وتحولات أمنية متسارعة، بعد تسلم الجزائر دفعة أولى من طائرات “سوخوي” الروسية، إحداها تحطمت في أحد عملياتها التجريبية ، وما تلاها من تحركات متسارعة على الأرض. كما أثارت المناورات العسكرية المشتركة بين المغرب وفرنسا في مارس 2025 حفيظة الجزائر فيما سمي بتداريب “الشركي “، لتقوم كرد بإستدعاء السفير الفرنسي للتنديد بما اعتبرته استفزازا مباشرا على تخوم حدودها.
في خضم مكر الحزائر ومناوشاتها الإستفزازية يظهر أن التفوق النوعي يبقى لصالح المغرب، الذي يراهن على التكنولوجيا العسكرية العالية الدقة، وعلى الشراكات المتقدمة، والدفع بالتصنيع المحلي لتقليص الفجوة وتعزيز السيادة الدفاعية، بإنخراط المغرب في تحول هيكلي يجعل من الصناعة الدفاعية الوطنية ركيزة إستراتيجيته للأمن القومي. في وقت تنفق فيه الجزائر ميزانيات ضخمة على التسلح الكلاسيكي .
ختاما ، يرسم المغرب ملامح مرحلة دقيقة من أجل ضمان أمنه القومي ضد الإرهاب وداعميه بالساحل والغرب الإفريقي، في وقت تشابكت فيه إعتبارات الأمن، ومعادلات الردع ، وحسابات سياسة العداء الجزائري ، و في مشهد إقليمي يطفح بالتحفز العسكري، ويتطلب يقظة دبلوماسية وعسكرية قصوى، لما يحمله من إحتمالات التصعيد، خاصة بعد حادت المسيرة المالية، والتي تعمدت الجزائر إسقاطها لتكشف تورطها في دعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية بالساحل الإفريقي وتهديدها للأمن والسلم بالمنطقة .
ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية